أسرار الذكاء الاصطناعي كيف يشكل مستقبلنا ويرسم حدود الإنسان والآلة


 

رسم تخطيطي لدماغ بشري متداخل مع دوائر إلكترونية وأنماط بيانات رقمية توحي بالتكامل بين الإنسان والآلة.

لطالما حلم الإنسان بصناعة كائن يشبهه كائن يفكر يفهم يتعلم و يتطور كأنه عقل حي يتنفس رغم أنه بلا روح وبلا قلب وقد لا ينام هذا الحلم القديم تحول اليوم إلى حقيقة تقودها ثورة اسمها الذكاء الاصطناعي وهي ثورة ليست عادية بل صامتة لكنها تحدث ضجيجا في كل مكان حولنا  ضجيجا  لا يسمع بالاذان بل يرى في ملامح حياتنا اليومية في طريقة عملنا وتعلمنا وتواصلنا وحتى في احلامنا 


الذكاء الاصطناعي ليس فقط ما نراه في أفلام الخيال العلمي أو في الروبوتات التي تتحدث وتتحرك بل هو موجود في أشياء قد لا نلاحظها أبدا مثل التطبيقات التي نتعامل معها يوميا أو محركات البحث أو حتى اقتراحات الفيديوهات والموسيقى التي تدهشنا  بقدرتها  على معرفة ذوقنا  قبل أن نعرفه نحن هذا الذكاء يتسلل بهدوء إلى تفاصيل الحياة يراقب و يتعلم بصمت لكنه لا ينسى أي شيء

ولعل السر الاخطر في هذا الذكاء هو قدرته العجيبة على التعلم الذاتي لا يحتاج إلى من يلقنه كل شيء بل هو يتغذى على البيانات والمعلومات التي  تتدفق عليه من كل زاوية وكل حركة نقوم بها على الإنترنت تصبح وقودا  له كل صورة نرفعها  كل كلمة نكتبها كل إعجاب نضغطه  كل موقع نزوره  كل صوت نرسله  كلها تتحول إلى دروس يتعلم منها هذا الكائن الرقمي ويتطور 


البعض ينظر إلى هذا التطور باعجاب شديد ويرى فيه خلاصا  من الملل والتكرار ووسيلة الإنجاز المهام بسرعة ودقة وفعالية كيف لا وهو يساعد الأطباء في التشخيص ويساعد الشركات في اتخاذ القرارات ويساعد الطلاب في الفهم بل حتى أصبح يساعد الكتاب على الكتابة والرسم والتأليف  لكن في المقابل هناك من يشعر بالقلق من هذا الذكاء المتنامي لا لأنهم لا يؤمنون بالتطور بل لأنهم يتساءلون ما هو الحد الفاصل بين الإنسان والآلة متى نعرف أن الذكاء الاصطناعي تجاوز السيطرة


أحد أخطر أسرار هذا المجال هو قدرته على تقليدنا بدقة مدهشة يستطيع الذكاء الاصطناعي الآن أن يكتب بأسلوب أي شخص أن يقلد صوته أن يرسم وجهه أن يخلق صورا تبدو واقعية لشخصيات لم تولد بعد كل هذا ممكن بفضل خوارزميات معقدة تتعلم وتكرر  و تحاكي بطريقة شبه مثالية لكن السؤال هو إذا استطاعت الآلة أن تقلدنا  بكل شيء فماذا يتبقى لنا نحن البشر


ورغم كل هذه القدرات المذهلة يظل الذكاء الاصطناعي محدودا بشيء واحد وهو أنه لا يملك مشاعر حقيقية لا يشعر بالحب أو الكره أو الشك أو الخوف هو فقط يتفاعل مع ما يغذى  به ولذلك فإن استخدامه بشكل عشوائي أو دون وعي يمكن أن يقود إلى كوارث أخلاقية أو اجتماعية أو حتى اقتصادية تخيل مثلا أن قرارات التوظيف أو القروض أو العدالة تتخذ بناء على خوارزميات منحازة دون أن نفهم كيف تفكر أو لماذا قررت


أكثر ما يخفيه الذكاء الاصطناعي عن أعيننا هو طريقة تفكيره فالخوارزميات  لا تشرح قراراتها بل تنفذها  بناء على تراكم بيانات قد لا نفهمها نحن البشر وهنا يكمن الخطر لأننا قد نعتمد عليه في أمور حساسة دون أن نملك القدرة على تفسير النتائج أو الاعتراض عليها لأنه ببساطة لا يناقش ولا يشرح فقط يحلل وينتج


في الوقت نفسه يجب أن لا نخاف من الذكاء الاصطناعي بل يجب أن نفهمه وأن نستخدمه كأداة في أيدينا لا كبديل عنا يجب أن نضع قوانين و أخلاقيات لاستخدامه  أن نحدد له حدودا واضحة وأن نعلم الأجيال القادمة كيف تتعامل معه بحكمة ووعي  لأن الجهل به أخطر من تطوره


ومن بين كل هذه الأسرار هناك سر نادرا ما يتحدث عنه الناس وهو أن الذكاء الاصطناعي يتغذى على ما نقدمه له من دون أن نعرف أحيانا أننا نغذيه  نحن من نمنحه  القوة نحن من نعطيه المعرفة نحن من نفتح له الأبواب ليعرفنا  أكثر مما نعرف أنفسنا ولهذا فإن مسؤوليتنا كبيرة في اختيار ما نشاركه  وما نفكر فيه حتى لأن أفكارنا  قد تصبح جزءا من برمجه يومًا 


إن مستقبل الذكاء الاصطناعي ليس بعيدا بل هو بين أيدينا اليوم وعلينا أن نقرر هل نطلق له العنان بلا قيود أم نوجهه  لما يخدمنا  كأداة لا كمتحكم  لا أحد يعرف إلى أين قد يصل هذا الكائن الرقمي لكنه بالفعل غير شكل العالم وسيستمر  في تغييره والسر  الحقيقي في هذه القصة هو أن من يسيطر على الذكاء الاصطناعي اليوم قد يسيطر على العالم غد

1 تعليقات

  1. لم نعد نعرف هل نحن المحكمين ام الذكاء الاصطناعي

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال