خفايا التكنولوجيا الخفية التي تغيّر حياتنا من دون أن نشعر



> صورة فنية مركبة تظهر شخصًا يسير في شارع مزدحم، لكن خيوط شفافة من بيانات (رموز وأكواد) متصلة من رأسه إلى أبراج وأجهزة وكاميرات تحيط به، في إشارة إلى أن كل تحركاته وأفكاره مراقبة وموجهة بواسطة شبكة خفية من التكنولوجيا. الألوان تميل إلى الأزرق الداكن والنيون لإيحاء بالجو الرقمي والسرية.


هناك قوى تعمل بصمت من خلف الستار قوى لا نراها بالعين لكنها تتسلل إلى حياتنا وتعيد تشكيل تفاصيل يومنا من أصغر عادة نمارسها إلى أعمق فكرة تخطر في أذهاننا هذه القوى ليست خرافة ولا سحرا بل هي التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت شريكا دائمًا في كل لحظة من حياتنا لكنها شراكة غير متكافئة فهي تعرف عنا أكثر مما نعرف نحن عن أنفسنا

نحن تحت المراقبة 

منذ أن نستيقظ في الصباح وحتى نغفو في الليل تراقبنا أدوات لا ننتبه إليها تبدأ من هاتفك الذي يعرف متى استيقظت وكم امسكت به من  مرة في يومك يعرف درجة حرارة الغرفة وحالة الطقس والموسيقى التي تحب سماعها فور فتح عينيك ثم ينتقل الأمر إلى التطبيقات التي تعرف ما سوف تبحث عنه حتى قبل أن تكتب حرفا واحدا وكأنها تتسلل إلى عقلك و تقرا أفكارك وتسبقك بخطوة

تكنولوجيا في كل مكان

هذه التكنولوجيا ليست فقط في الأجهزة التي نمسكها بأيدينا بل هي في كل الأماكن التي نزورها في السيارات التي نركبها في الكاميرات التي تراقب الشوارع وفي الأجهزة المنزلية التي باتت تتحدث معنا وتفهم اوأمرنا بل إن بعض هذه الأجهزة بات يعرف أننا على وشك أن نمرض قبل أن نشعر بأي عرض جسدي

شبكة العقول الرقمية

الأمر الاخطر أن هذه التكنولوجيا لا تعمل وحدها بل تتبادل المعلومات مع بعضها البعض في صمت وكأنها شبكة ضخمة من العقول الرقمية التي تتواصل طوال الوقت عن حياتك عن تحركاتك عن تفضيلاتك وعن مخاوفك قد تعتقد أن الأمر بسيط أو غير مهم لكن الحقيقة أن كل معلومة صغيرة عنك قد تستخدم يومًا ما لتوجيه قراراتك أو التأثير على اختياراتك دون أن تشعر حتى أنك تم توجيهك 

فرصة وتحدي 

البعض يرى في هذا العالم الجديد فرصة ذهبية لتسهيل الحياة فالتكنولوجيا تساعدنا في توفير الوقت وفي حل المشكلات وفي الوصول إلى المعرفة بسرعة وفي حماية أنفسنا أحيانا لكنها مثل السكين يمكن أن تستخدم في الخير أو في الشر فإذا كان بإمكانها أن تسهل حياتك فهي أيضًا قادرة على أن تقيدها 

شركات ضخمة تتحكم بالعالم

هناك شركات ضخمة اليوم تتحكم في مليارات الأجهزة والأنظمة حول العالم هذه الشركات تمتلك كما هائل من البيانات التي لا نستطيع ان تخيلها بيانات عن العادات عن الاهتمامات عن المخاوف وحتى عن العلاقات الشخصية وكلما زاد الاعتماد على التكنولوجيا زادت قوة هذه الشركات ونفوذها حتى أصبحت تتحكم في اتجاهات الأسواق وفي السياسات وفي الرأي العام بطريقة لم يشهدها العالم من قبل

الخطر في الخوارزميات

ورغم أن هذه التكنولوجيا لا تملك مشاعر ولا نوايا إنسانية إلا أنها تتبع أوامر من يصممها ومن  يبرمجها وهنا يكمن الخطر الأكبر لأن الخوارزميات التي تتحكم في  قراراتنا لا تشرح لنا كيف وصلت إلى استنتاجاتها ولا  تمنحها فرصة للنقاش أو الاعتراض هي فقط تنفذ  والادهى  أن الكثيرين يقبلون نتائجها بثقة كاملة وكأنها لا تخطئ 

تأثير التكنولوجيا على خياراتنا 

تخيل أن هذه الأنظمة تعرف أنك ستشتري منتجا معينا قبل أن تقرر أنت ذلك أو أنها تعرض لك الأخبار التي تناسب فكرك وتستبعد الأخبار التي قد تجعلك تغير رأيك أو أنها تتحكم في الأغاني التي تسمعها والكتب التي تقراها وحتى الأشخاص الذين تقابلهم كل هذا يحدث الآن وبطرق أكثر تعقيدا مما نتخيل

قوة التكنولوجيا في تمكين الأفراد

لكن وسط هذه الصورة المليئة بالتحكم والتاثير لا يمكننا أن ننكر أن التكنولوجيا أعطتنا قوة هائلة فمن كان يتخيل قبل عشرين عامًا أن بإمكان شخص في قرية صغيرة أن يصل صوته و فكرته إلى ملايين الأشخاص حول العالم في دقائق أو أن يتمكن مريض في أقصى الأرض من الحصول على استشارة طبية من أفضل الأطباء في العالم وهو جالس في بيته أو أن يستطيع أي شخص أن يتعلم أي علم أو مهارة مجانا بمجرد امتلاكه إتصال بالانترنت 

التكنولوجيا أداة بيد الإنسان

التكنولوجيا في النهاية ليست خيرا مطلقا ولا شرا مطلقا هي أداة في يد من يستخدمها لذلك فإن مسؤوليتنا الحقيقية ليست في محاربة التكنولوجيا ولا في رفضها بل في فهمها وفي تعلم كيفية التعامل معها  بدكاء وأن نعرف متى نعطيها ما تريد ومتى نمنع عنها ما قد تستخدمه ضدنا 

دورنا في بناء العالم الرقمي

هناك سر آخر لا يلتفت إليه كثيرون وهو أن هذه التكنولوجيا مهما بلغت من القوة ما زالت تعتمد علينا نحن البشر فهي لا تستطيع أن تتطور أو تتعلم دون أن نغذيها بالبيانات ودون أن نمنحها الفرص  تراقبنا وتعرفنا أكثر  ولهذا فإن كل صورة نشاركها وكل كلمة نكتبها وكل بحث نقوم به هو في الحقيقة طوبة جديدة نضعها في جدار هذا العالم الرقمي الذي يبنى من حولنا

قرارنا في المستقبل

ربما يأتي يوم تصبح فيه التكنولوجيا قادرة على العمل بشكل مستقل تماما لكن حتى ذلك اليوم نحن ما زلنا اصحاب القرار ولو بشكل جزئي ويبقى السؤال الأهم هل سنكون اذكياء بما يكفي لنستخدم هذه القوة لصالحنا أم سنتركها تنمو و تتحكم بنا حتى نجد أنفسنا غرباء في هذا عالم 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال